الأربعاء، مايو ١٣، ٢٠٠٩

طاقة الحرمان عندما تنفجر .. 5

لم تكن تلك التجارب بالأمور التي تمر علينا دون أن نستفيد منها أو تستفيد منها الجماعة ، فعلي المستوي الشخصي تعلمت الكثير من الأمور التي لولا الاعتقال فلن أجد مكانا آخر أجدها فيه ، وجدت هناك معني اليقين الذي طالما تعلمناه وتربينا عليه ، وجدنا اليقين تطبيقا وواقع ، اليقين بأن هذا هو طريق الدعوات ، اليقين بأن هناك دائما حق وباطل ، هناك خير وشر ، اليقين بأن الله ناصر عباده المستضعفين ومورثهم الأرض ، اليقين بأن دعوة الإخوان المسلمين تلك الدعوة المباركة التي نسير في ركابها هي امتداد لدعوة محمد صلي الله عليه وسلم
تعلمت هناك معني التضحية بحريتي وراحتي من أجل ديني ودعوتي ووطني وأهلي ، تعلمت أن أضحي بحريتي من أجل إسعاد الآخرين من أجل كرامة أمة تنتهك حرماتها ليل نهار ، تعلمت أن أضحي براحتي من أجل راحة أمة قلقة مضطربة يطمع فيها الجميع ويسعي لدحرها الظالمون
تعلمت معني الوفاء بالعهد بالصبر علي الأذي ، إخلاصا لعهدنا مع الله ، إخلاصا لبيعتنا مع الإخوان ، ووفاء لشهداء هذه الدعوة المباركة في كل زمان ومكان
تعلمت معني الكبرياء والعزة علي الظالمين ، تعلمت أن أقف شامخا لا تأخذني في الله لومة لائم ، أقول كلمة الحق ولو علي حياتي ، تعلمت أن عزتي في مصحفي وأن كبريائي في صمودي
تعلمت الواقع التطبيقي الفعلي للأخوة ، تعلمت الإيثار وكسر جماح النفس ، تعلمت البذل والعطاء ...
تعلمت ....تعلمت... تعلمت
تعلمت ما لم يكن النظام يتوقع أن نتعلمه ... تعلمت كل شئ ، وفي كل مجال ، اكتتسبت خبرااااات سنييييين من الإخوان
أخذت من إخواني بالمجان ما دفعوا فيه الثمن

الأحد، أبريل ١٩، ٢٠٠٩

طاقة الحرمان عندما تنفجر ... 4


في اليوم التالي مباشرة وبعد أن ظللنا طوال اليوم نستقبل وفود الإخوان القادمين من مختلف المحافظات ، فوجئت في نهاية اليوم بوصول تلك المجموعة التي كنت قد تركتها في سجن قوات الأمن ، فلماذا لم نأتي كلنا مرة واحدة من هناك لماذا علي رحلتين ، كان من الأوفر علي وزارة الداخلية أن نرحل كلنا معا ، لكن التخبط وسوء الإدارة هو الذي يجعلهم يرحلون مجموعة بسيطة جدا في ليلة لندخل سجن برج العرب في تمام الواحدة بعد منتصف الليل في عز البرد ، وفي اليوم التالي تأتي باقي المجموعة
كان اليوم الأول عصيبا فالعدد كان كبيرا جدا ، فقد وصل إلي مائتين من الإخوان وهو رقم كبير ، وكان علي تلك المجموعة التي اختارها الله أن تقود هذا المعسكر التربوي ، أن تكون علي قدر المسئولية خاصة وأن هناك من يتمتع بالخبرة أرباب المعتقلين السابقين مثل الأستاذ صبري عبد المقصود والأستاذ سيد عبد المجيد والأستاذ محمدي سعد ، وبهذا فقد تحملت غرفة 17 مسئولية القيادة وأصبحت تدير شأن المعسكر بأكمله ، تم توزيع المهام المختلفة علي الأفراد وبدأت عملية تنظيم غاية في الدقة والتنظيم للمعسكر كان لها أكبر الأثر في نفسي ، مع كل خطوة فيها كنت أتذكر فيها العمل أثناء الدراسة الجامعية في أسرة الفجر الجديد ، السرعة والإنجاز والحماسة كانت أكثر ما يميز العمل حتي يستطيع فريق العمل التعامل مع إدارة السجن وفرع أمن الدولة والإخوان المعتقلين خاصة وأن معظم الإخوان لأول مرة يدخلوا مثل هذا المكان وكلهم في سن صغيرة وكلهم جاء من الشارع من مظاهرات غزة ، يعني من غير شنطة الاعتقال
بحمد لله استوعب كل الإخوان الموضوع بسرعة وانتظمت الغرف بترتيب رباني 18 غرفة ضمت بين جنباتها عدد من الإخوان المسلمين وكانت البداية للمعسكر التربوي ، الغريب في الأمر أن سن الاعتقال لم يتجاوز الخمسين ومعظم الإخوة بين أعمار 22 و 30 سنة أي في سن الشباب ، وكنت أصغرهم سناً حتي وصل عبد الله ، وعبد الله ده له حكاية مختلفة تماما وكان سنه 18 سنة فقط
كان الموضوع أشبه بحلم كنت أتمني أن أدخل فيه وقد تحقق فقررت أن أغتنم الفرصة ولا أضيعها ، خبرات إخوانية متاحة من كل مكان ، عزل عن العالم في مكان بعيد فرصة للطاعة والعبادة ، مكان للخلوة والتفكير فكان البرنامج الإخوان بالسجن اختياري وليس إجباريا نبدأ يومنا من قبل الفجر بساعات حيث أوقات السحر وصلاة التهجد والدعاء حتى صلاة الفجر وأذكار الصباح ثم النوم قليلا والاستيقاظ لصلاة الضحى والإفطار لغير الصائمين ثم القيام بالورد الرياضي اليومي والاستعداد لصلاة الظهر ثم الصلاة والغذاء ثم تبدأ المحاضرات العلمية والدينية التي يلقيها الإخوان إلى صلاة العصر والدورات الرياضية وصلاة المغرب وأذكار المساء ثم ورش العمل وتبادل الخبرات الحياتية بين الإخوان ثم صلاة العشاء والسمر الجميل وقراءة القرآن والنوم وبالنسبة للصيام فمن الإخوان من كان دائم الصيام يوميا أو يصوم اثنين وخميس من كل أسبوع ومنهم من يصوم يوما أسبوعيا
لم يكن هناك من يعكر صفو هذا المناخ الرائع خاصة في جو الحب والود والرحمة الذي يتمتع به الإخوان ، من أول يوم كنت قد اعتقلت فيه وأنا أدون كل ما يحدث من أول محروس في زنزانة سجن المركز وحتي خرجت من بوابة أمن الدولة في الزقازيق ، وطبعا لو ظللت أكتب ما دونته فلن تكفي المدونة لذلك ، فلقد امتلأ كراس بها من الورق ما يزيد علي الخمسمائة صفحة
المهم كان فيه مجموعة من الأمور داخل الزنزانة ، أولها أنني كنت أصغر من فيها سنا ، وأنا الوحيد الذي لم أتزوج بعد ، وطوال فترة الاعتقال كانت هناك مجموعة من المواقف التربوية ، والكوميدية طبعا ، فأنا لا أتوقف عن الضحك وصنع المواقف المضحكة وترك أثر مع كل أخ هناك ، وهنا روعة الاعتقال في وسط الإخوان الكل يتقبل ما تفعله وما تقوم به ، فأنا الوحيد في الزنزانة 17 الذي كان متاحا له أي شئ في أي وقت علي عكس باقي الإخوة كان هناك وقت للطعام ووقت للمدارسة وهكذا لكن أنا كان مسموحا لي بتجاوز الحدود دائما ، وقد كنت حكيما فكنت دائما أنتهك تلك الحدود وأتخطاها لأفعل ما يحلو إلي في أي وقت ، فرصة بقي كنت عاوز أبقي تخين والأكل موجود والموضوع نوم في نوم يعني هتتخن هتتخن ، المهم استعنت بالله وبدأت برنامج عكسي للرجيم اللي الحسيني بيعمله ومش بيجيب معاه نتيجة ، وكان تناول الأكل ده السمة الرئيسية التي ميزتني بين إخواني في الزنزانة ، بس مش فيه نتيجة خالص ، زي ما يكون بآكل والأكل بياكل فيا ، لدرجة إن أنا زهقت وقلت لإخوانا كده مش هينفع هو أنا هأدخل زي ما أخرج لازم أعمل حاجة الأكل مش جايب نتيجة ، في نفس الوقت كان الأخ أيمن عبد الرازق مصمم علي أن أمارس معه الورد الرياضي ، وأنا كان لي برنامجي الرياضي الخاص يومين في الأسبوع الجمعة والاثنين بس كان بيبقي برنامج شاق شوية ، علي عكس باقي الإخوة كان وردهم شبهة ثابت يوميا
ومرت فترة الاعتقال بسلام جميل ، خرجت منه بمجموعة من الدروس والعبر والعظات وكنت قد وضعت في كراسي مائة فائدة للاعتقال يتعلمها الإخوان داخل المعتقل ولن أفصح عنها الآن ، وهناك مجموعة من العلامات الفارقة داخل برج العرب يجب الإشارة إليها أهمها يوم الخدمة التي كنت مكلفا به ، طبعا كان معايا أخي الأنتيم د.أحمد عبد السلام وكان يوم الأحد يوما مميزا في أيام الاعتقال وفيه كنت مكلفا بإعداد الطعام للإخوان في الغرفة ، وبما أن يوم الأحد مش كان يوم صيام فقد أتورط في إعداد ثلاث وجبات إفطار وغداء وغاليا الإخوة كانوا بيطلبوا العشا في اليوم ده بس ، وطبعا مش لازم أحكي علي العجايب اللي كنت بأعملها أنا والدكتور أحمد في اليوم ده ، فلا هو ولا أنا بنعرف نطبخ ، وربنا كان ميسرها تماما ففي هذا اليوم كانت تأتي الطبلية وهي أكل كان إخوان الإسكندرية متكفلين به وكان يبقي يوم حلو وجميل لو الطبلية مش ...إيجت .. المهم إن يوم الخدمة بتاعي كان لازم يبقي مميز مش يوم عادي ، فكنا بنجتهد إن إحنا نخرج الأكل في أجمل صورة والدكتور أحمد صراحة كان مميز في هذا الموضوع
المهم كنت مضطر أصحي بدري شوية علشان أقشر البطاطس وأقطعها وأحرقها قصدي أقليها ومش عارف هي كانت بتبوظ ليه لحد دلوقتي ، هي أول ما أرميها في الزيت وأنا بأجري من أمام السخان طبعا خايف من الزيت وبعدين أفضل واقف أمامها لحد ما تتحرق وأرميها ، المشكلة في كده المشكلة أنني كنت مصر علي انفذ خطتي وأطعم إخواني بطاطس مقلية ، وكل يوم أحد أقوم مبكرا أقشر وأقطع اوحرق وأرمي ، حتي كرهت البطاطس والزيت ، المهم في الآخر أروح منزل العسل وأنواع الجبن المختلفة وطبعا الفول المظبوط ، أجمل ما كان هناك هو العيش بصراحة ، لأنه كان بيجي لحد عندنا مش كنا بنقف في طابور زي باقي البشر خارج المعتقل ، وكان عيش ممتاز صراحة
وكان لا يفوت الأستاذ سيد عبد المجيد ان يرسل رسالة يومية للخدمة علي كل وجبة فكان يقول " الخدمة النهاردة ممتازة ، لازم تاخد الأيزو، حاجة حلوة " وكل الإخوة يرددوا في صوت واحد " حلوة خالص " "حاجة بيوتفل " والإخوة يردوا " بيوتفل خالص " وطبعا أنا خرجت ومش أخدت أيزو أو حتي صفيحة أو أي حاجة طبعا واضح ليه
أهم ما في الموضوع أن هناك شيئا مميزا لغرفة إخوان الشرقية ، وهي الزنزانة 17 ، فيها إخوة سوابق _ في الخير طبعا _ معتقلين قبل كده يعني ، وكان فيها خبرات رائعة ، فضلا عن أنها غرفة القيادة ، فكان قليلا جدا ما يترك أحد منا الغرفة ، كنا دائما مرابطين في الغرفة لا نريد أن نخرج منها إلي التريض أو أي مكان آخر ، كنا بنحب نقعد مع بعض ، وكنا بنحب وقت السمر الليلي جدا جدا جدا ، كان كل واحد من أفراد الغرفة مميز بشئ معين عن إخوانه ، وكان كل واحد بيتمتع بمجموعة من الصفات الجميلة جدا واللي أنا كنت بأتعلم ده كله منهم ، فمثلا في يوم كان أحد إخوان المنوفية معنا وهو د.إسماعيل عبد الستار وكان بيتكلم وانا قاطعته فزعل جدا وكان موقف صعب علي كل إخوان الغرفة وكان لازم نشوف حل للموضوع

الاثنين، أبريل ٠٦، ٢٠٠٩

طاقة الحرمان عندما تنفجر ..3


في سجن قوات الأمن

لم أتوقع أن افقد صحبة الإخوان بهذه السرعة فلم يمر سوي سبع ساعات حتي تم ترحيل المجموعة إلي سجن وادي النطرون ، لأبقي وحيدا مرة أخري بين جدران سجن قوات الأمن المركزي ، ولكن قدر الله أن يجمعني بأحد الإخوان الكرام يؤنس وحدتي ونظل سويا لمدة خمسة أيام ، الأخ وائل عبد الغني أحد أكثر من أحببتهم كثيرا في هذه الفترة ، روح عالية جدا وخفة ظل لا مثيل لها وعلي حداثة سنه إلا أنه يمتلك خبرة سنين طويلة ، كانت خمسة أيام حبلي يالعديد من القضايا التي ناقشناها سويا في موضوعات كثيرة ، وفي أحد الأيام قرر الأخ وائل ان يصنع وليمة وقام بتجهيز المائدة والاكل المتنوع طبعا ، فوجدنا " جبنة رومي ، جبنة مثلثات ، جبنة قديمة ، جبنة ..جبنة ..جبنة " يا سلام علي التنوع يا أخ وائل .. كله جبن .

بقيت والأخ وائل نتجاذب أطراف الحديث من موضوع لآخر حتي يوم السبت الموافق 3 يناير 2009 حتي وصلت إلينا مجموعة من إخوان فاقوس والحسينية ، لتبدأ رحلة الاعتقال إلي برج العرب ، هذه المجموعة التي كانت تضم في طياتها كل من الأستاذ صبري عبد المقصود ، الاستاذ سيد عبد المجيد ، د.محمد هديوة ، د.أحمد عبد السلام ، م.مهدي خطاب ، أ.محمد شرف ، وكل واحد منهم كان له معايا كتير من المواقف التربوية فكلهم سبقني في الدعوة وله علي فضل وتعلمت منهم كثيرا، وفي نهاية اليوم وصل الاستاذ محمدي سعد والاستاذ أيمن عبد الرازق ، وبهذا نكون قد وصلنا إلي عشرة من الإخوان المسلمين ينتظرون قرارا إما بالإفراج أو بالترحيل إلي سجن وادي النطرون .
بعد أن قمنا بتظبيط المكان وفرشه جيدا وتقفيل كل شباك ممكن يدخل البرد والهوا خاصة وإحنا كنا في شهر البرد القارس ، وتناولنا وجبة خفيفة لتنطلق الضحكات والنكات والتعارف بين الإخوان لأشعر بجو الحب والألفة وسط الإخوان من جديد وعند أذان المغرب قمنا نتوضأ وقبل أن نقيم الصلاة فتح باب العنبر ليدخل أحد مندوبي الامن قائلا " الاستاذ حسن خضري " .. نعم ..إنت هتصلي طيب اجمع المغرب والعشا علشان مشوارك طويل .. خير .. قال :هتترحل .. وادي النطرون .. قال لا برج العرب ، هو ما فيش حد معايا ولا إيه هأروح لوحدي ، قال: لا اللي جايين من المظاهرات معاك أ.محمدي ،أ.أيمن
المهم صليت بالإخوان جمع وقصر المغرب والعشاء ثم ودعوني مشفقين علي حالة سجن برج العرب ، علي اعتقاد أنهم سيذهبوا لسجن الوادي ، أكتر واحد كنت حزينا علي فراقه طبعا كان الأخ وائل ، ما هو مش معقول هنترحل إحنا لبرج العرب دلوقتي وبعد يومين تلاتة يرجلوهم ورانا ، مش ممكن يعني
سيارة الترحيلات
ركبنا سيارة الترحيلات وجدنا داخلها أحد الإخوان ، شاب صغير حديث الزواج ، كان رايح شغله ، يوم الجمعة ، نزلوه من المواصلات ورحلوه علي البرج معانا ، انطلقت بنا سيارة التحيلات ، وقفت علي الشباك لألقي النظرات الأخيرة علي المدينة ، مدينة الزقازيق ولأول مرة أشوف المدينة بالحزن الكبير ليلا ونحن نفارقها ، طبعا مش لازم أوصف شكل التشريفة اللي كانت مصاحبة الترحيلة ، فيها سيارة أمن مركزي مدجج بالسلاح ، وسيارتين بوكس يضم مجموعة من ضباط الترحيلات ، يعني من الآخر .. إحنا كنا أخطر من خط الصعيد ، والتوربيني ، وسفاح المعادي ، من ناحية تانية أنا كنت فقدت كل أغراضي البطاطين والملابس والأدوات الشخصية وده كله بسبب غباء ضباط ومأمور المركز



وصلنا السجن في برج العرب ونحن نمني أنفسنا ، بالراحة والاسترخاء كما سمعنا من الإخوان من قبلنا ، لكن المشكلة ، إن إحنا كنا أول إخوان يدخلوا السجن ده من فترة يعني مفيش إخوان هناك ، كان سجن وادي النطرون إمتلأ علي آخره ، ففتحوا سجن برج العرب ليستقبل الإخوان ، دخلنا السجن في الواحدة بعد منتصف الليل ، آه علي فكره سواق الترحيلة لم يكن يعلم الطريق ، وانطلق غربا نحو ليبيا ، وبعد مرور ستين كيلو اكتسف إن الطريق مش صح فرجع تاني ، والحمد لله ، وصلنا ودخلنا السجن ، وكان استقبال جيد من إدارة السجن والجنائيين ، علي جدران العنبر والزنازين كانت علامات الإخوان واضحة من كل المحافظات إخوان الشرقية والاسماعيلية والدقهلية ودمياط والبحيرة وكفر الشيخ حتي الفيوم وأسيوط ، إخوان من كل مكان دخلوا عمروا المكان ده قبل كده ، بجانب أسماء شباب المحلة من معتقلي 6 أبريل 2008 وغيرهم ، يعني ده كان سجن الأحرار ،وكانت من نصيبنا زنزانة 17 عنبر 21 ، تلك الزنزانة الرائعة التي قضينا فيها أجمل أيام الاعتقال ، دخلنا الزنزانة كل واحد استلم مرتبة وكام بطانية ، ودي عهده هنسلمها وإحنا خرجين ، كانت الساعة زيادة عن واحدة ، الحمام مش فيه حنفية ، ومنعرفش اتجاه القبلة ومش عارفين نتوضأ ، وكان التيمم والصلاة ثم النوم العميق لأذان الفجر طبعا مع فروق التوقيت ، صلينا الفجر وقرأنا الأذكار وكملنا نووووم
مرت ساعات ولم يفتح لنا باب الزنزانة ، وكان لازم نقلق ، هو فيه إيه ، اكتشفنا إنهم مش عاوزين يفتحوا لأن سيارات الترحيلات كانت تصل واحدة تلو الأخري لتنقل جمع الإخوان وبدأت الزنازين تمتلأ ، حتي الساعة الخامسة عصرا كان قد وصل العدد لسبعين بعد أن كنا خمسة فقط من الشرقية بدأت المحافظات ترسل فلذات أكبادها من شباب الإخوان وخيرة شباب مصر، ومع حلول الساعة السابعة ، حدث ما لم يكن متوقع ، بجد كانت مفاجأة من العيار الثقيل ، بس أجمل مفاجأة

الثلاثاء، مارس ٣١، ٢٠٠٩

طاقة الحرمان عندما تنفجر .. 2

"طلع كل اللي معاك ..فلوس – سجاير – موبايل .. أي حاجة وقف معاهم ورا الباب .. ومش كلام كتيير لأحسن .. كل الكلام ده دار في رأسي وانا أنظر للجثث المكومة خلف الباب ، حتي افقت علي كلام المامور لمحروس : أستاذ حسن ده إخوان مسلمين .. أمن دولة يعني !!
انتفض محروس عند هذه الكلمات وهب واقفا قائلا : أهلا يا باشا اتفضل يا عم الشيخ يا مرحب .. إنت سياسي ، وقام مشكورا بترتيب مكان بجواره أغلق المأمور باب الزنزانة وهي تصدر صوت صرير كئيب لأتلفت حولي أتطلع إلي تلك الوجوه بشوق ، فلطاما رأيناها في الأفلام ، فوجدت أناسا بدا عليهم الظلم واضحا قد رسم علي وجوهم حزن رهيب وحفرت ملامحهم تعبيرا آخر يدل علي قلة الحيلة وضيق ذات اليد ، سألت محروس " إيه يا أستاذ محروس .. إنت موقفهم كده ليه ؟" نظر إليهم محروس شاتما " ولاد .. يا أستاذ مش عارف أنام منهم .. اللي سارق عجلة واللي جاي في شيك أو كمبيالة .. حاجة تعر " طلبت منه أن يسمح لهم بالجلوس وسألتهم مين منكم لم يصلي المغرب أو العشاء قالوا كلنا ، قلت جميل أنا كمان مش صليت هنتوضأ ونصلي مع بعض ، وصلينا كلنا ما عدا محروس ، فسألته إيه يا محروس ، قال معلش يا أستاذ أصل أنا لسه شارب حشيش ومكسوف أقف قدام ربنا
الكلمة أثرت فيََ جدا وقررت في نفسي أنه طالما حرمت من العمل بالخارج ألا أحرمه بالداخل مع هؤلاء ، وكانوا بالفعل أشد حاجة إلي ذلك من غيرهم ، جلست مع محروس أسبر أغوار هذا العالم المجهول وعرفت منه كل شئ عن عالم المخدرات وتجارتها وأشهر التجار والأسعار وأهم الأماكن التي فوجئت بأن مراكز الشرطة هي أفضل مكان للشراء .. بالمختصر وجدت فيه عالماً فذاً بتخصصه .
المهم .. سألته إنت ليه انتفضت لما عرفت إن أنا سياسي أو إخوان مسلمين ، قال يا عم الشيخ السجن درجات أقل واحد فيه اللي هو حقير يعني ده بقي جاي في قضية شرف آداب يعني ، وبعيه الحرامي ، وبعدية السرقة بالإكراه وبعديه الأموال العامة وبعديه المخدرات وبعديه الإعدام وبعديه السياسي ، يعني إنت دلوقتي الكبير هنا .. ضحكت بجد لأول مرة من فترة
المهم.. قعدت مع كل واحد من الموجودين ساعة أعرف كل اخباره والتفاصيل منه عن قضيته وقصتها .. والله كل واحد منهم تنفع قصة فيلم أو رواية ، تاني يوم ولأن كلهم مظلومين خرجوا من النيابة وأنا بس اللي رجعت ، علشان أدخل السجن مع محروس وليمونة وشيكولاته وأسامة مش عارف ده كان اسمه غريب مش عارف ليه .. ايه اسامة ده


وبما أني الكبيير .. فانا كنت عامل برنامج عجبهم جدا ، بصفة عامة ، كان فيه دردشة في السيرة بعد العشاء يوميا ولمده ساعتين كانوا بيطلبوا إنها تزيد ، وبعد ما نخلص فترة حرة " حشيش وبانجوا وسجاير طبعا لمدة نصف ساعة " ودي الحاجة الوحيدة اللي كانت مؤذية في الموضوع لان غير كده مش كنت سامح ليهم إلا بالتدخين وفي أوقات معينة وواحد واحد . كانت فيه فترة لكل واحد منهم لمشكلاته الشخصية ، وساعة يوميا عن علامات الساعة ويوم القيامة ، وفي خطبة الجمعة كان العنوان أصلح نفسك وادع غيرك واعف عن من ظلمك ، وفجأة اشتعلت أحداث غزة ومع وصول الجرائد بانتظام ، كنت أجمع الصور وأعلقها علي الجدران ، وكان لنا وقفه شديدة مع احداث غزة وتفاعل معها الجميع عندما وجدوني أضرب الباب بقوة ذات ليلة فقاموا جميعا يضربون الجدران والباب حتي وصل المأمور وأخرجني من بينهم حتي لا أحدث فتنة بينهم .وقال يا أستاذ حضرتك ضيف عندنا ، إحنا مش عارفين نعمل معاك ايه .. الجنائيين عرفوا غزة !! قلت له حقهم يعرفوا ويفهموا .. ولم أكمل الليلة حتي كانت الترحيلات تصل ، لأودع أصدقاء الغرفة بعد أن وعدوني جميعا بالتوبة والابتعاد عن هذا الطريق .
خرجت من هذه التجربة التي قضيت فيها ما يقربي من عشرة أيام بعدة أمور
  1. أن هذه الفئة المطحونة مظلومة لأبعد الحدود من النظام والمجتمع والاهل والأقارب وجشع المعيشة
  2. هذه الفئة تحتاج لمن يقدم لها يد العون والمساعدة ويدلها علي طريق الهداية بدليل أنهم كانوا يصلون معي وصاموا يومي الاثنين والخميس وكانوا حريصين علي الاستماع للسيرة
  3. من اراد أن يحصل علي درجة علمة متميزة في علم النفس أو علم الجريمة سواء ماجستير أو دكتوراة ، لا بد أن يتعايش وسط هذا الفئة ، حتي يطابق الواقع ويدرسه جيدا
  4. الخبرة التي استفدت في سجن المركز ، كانت جيدة جدا عندما كنت أؤدي الامتحان داخل السجن العمومي في الزقازيق ، حيث كنت مجاورا للإعدام ، ولحسن الحظ في نفس الزنزانة التي قضي فيها الدكتور حسن الحيوان رحمه الله شهوره الأخيرة .
  5. أن هذه الفئة تعاني مشكلات نفسية رهيبة إن لم نجد لها حلا فسيعاني منها الجميع لا شك
أخيرا انتهت الفترة الأولي من الاعتقال والتي قضيتها مع الجنائيين بعد أن حصلت علي أكثر من إخلاء سبيل حتي صدر أمر الاعتقال لألتقي بالإخوان لأول مرة في مركز قوات الامن وكنت لم أري أي من إخواني لفترة طويلة وكانت مجموعة الأستاذ أحمد عبد المقصود والدكتور ومحسن قهوة وغيرهم من الإخوان والذين دخلت عليهم في الثالثة صباحا لأجدهم بين ساجد وقائم ، وأنا كنت عاوز أنام فعلا من عشرين يوم مفيش نوم ، ظل الإخوان يغطوني حتي سري الدفء والطمأنينة وسط إخواني ، حتي الصباح وفي العاشرة صباحاً كانت سيارة الترحيلات تسحب الإخوان مني لتذهب بهم إلي وادي النطرون ، فسألت ضابط الترحيلات انا عاوز أروح معاهم ، هو أنا هأقعد هنا لوحدي ، قال يا سيدي مش تقلق هيجي إخوان تاني ، ودعت الإخوان حتي انطلقت بهم سيارة الترحيلات وظللت وحيدا ،حتي بعدها بساعتين أتي أخ لذيذ .. بجد لذيذ جدا جداجدا!!

الأحد، مارس ٢٢، ٢٠٠٩

طاقة الحرمان عندما تنفجر ... 1

عندما يسير الانسان في خضم حياة متسارعة الخطي لا تترك له الوقت الكافي للتفكير أو التروي في أخذ قراره ، لا يشعر بمرور الزمن أونفاد العمر حتي يصطدم بالنهاية ، وهنا يتجلي قول المولي عز وجل " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " المؤمنون . وهنا كانت الوقفة الأولي ، فقد حرمت من حريتي من حركتي من إخواني من أهلي ، فتجلت هذه الآية واضحة أمامي لم يعد هناك مفر ، انتهي عمرك ولو بشكل مؤقت عن العمل لدعوة الله ، ولكم تمثلت هذه الآية كثيرا مع كل خبر أقرأه أو أسمعه عما يحدث في غزة أو العراق أو في أي بلد إسلامي ، أتمني أن أخرج أن أنصر إسلامي ودعوتي ، لكن هيهات هيهات .!!
وكان الموقف التربوي الأول هو تذكر الموقف الأصلي وهو الموت وعدم العودة ، وها قد كتب لي العودة ، فكيف أغتنمها ... ؟
لما كان الحرمان من العمل خارج المعتقل أمرا منتهيا لفترة محدودة ، كان من الواجب أن أبدأ عملا جديدا في المجتمع الجديد الذي وجدت نفسي فيه ، وهي الفترة التي قضيتها مع الجنائيين في أماكن مختلفة ، وبالكاد لم أكن أعرف عن طبائع هؤلاء شيئا ، اللهم إلا بعض ما سمعناه في بعض البرامج والجرائد والأفلام وغيرها .
وكان لسان الحال غير لسان المقال فما كنت أعرفه عنهم شئ وما وجدته شيئا آخر ، وجدت أناساً لهم فلسفة خاصة في الحياة دفعتهم ظروفهم الاجتماعية والمادية والفقر والجهل والعزلة والتهميش السياسي إلي الجريمة والانحراف ، ليس هذا فحسب وإنما هناك من دفع دفعا للانحراف بفعل مخبر أو ضابط مباحث لعمل وتلفيق بعض القضايا ، لهم نوع خاص من الأدب الحزين في أشعارهم وغنائهم ، لم يجدوا من يدلهم علي الطريق .. فقط وجدوا من يدفعهم نحوه .
" محروس 7 سنوات مخدرات ، سامح عصعص 5 سنوات مخدرات ، أيمن ليمونة سنة 12 مخدرات ، وشيكولاته ومشرط والخفيف وبلحة ..... والقائمة طوييييلة جداً " لا أخفيكم سرا أنني فكرت وأنا في طريقي للزنزانة في طريقتين للتعامل بناء علي الخبرة المكتسبة من الروايات والأفلام ، اما الأولي فهي ان أدخل عليهم بقوة وعنف _ يعني أضرب كام واحد والباقي هيسمع الكلام _ والطريقة الثانية إني أدخل عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة وتهدئة النفوس .
ولما كنت قد قررت أن أسلك المنحي الأول فقد تجهزت نفسيا وبدنيا للحظة البداية ، فتح مأمور السجن باب الزنزانة وعلي صوتها الكئيب والضوء الخافت جدا المنبعث من داخلها وجدت نائما مغطيا جسده كله من شدة البرد ، ولم ألاحظ في البداية أن الباب لم يفتح بأكمله فقط ما يسمح لي بالمرور ودخول الزنزانة ، صاح المأمور " محروس " رفع محروس غطاء ه ناظرا إلينا ببلاهة _ في نفسي قلت مش مشكلة ده واحد بس ضربه هيكون سهل وهأعرف أسيطر علي المكان بسرعة _ تابع المأمور : فين باقي المساجين . أنا سمعت الكلمة ونظرت خلف الباب ما يقرب من اثني عشر واقفين علي أقدامهم _ هنا قلت في نفسي هو موقفهم كلهم أمال هيعمل في انا إيه _ أفقت علي كلام المأمور وهو يقول لمحروس الاستاذ حسن سياسي أمن دولة إخوان مسلمين .. وكانت المفاجأة .

السبت، مارس ١٤، ٢٠٠٩

وتستمر الحياة ..



في ذلك المكان البعيد ، كان هزيم الرعد وسنا البرق وذلك الصوت المميز لقطرات المطر وهي تتساقط علي تلك الجدران التي ضمت بينها تلك المجموعة المؤمنة من البشر ، قضينا تلك الفترة التي قاربت الثلاثة أشهر ، كان السمت العام فيها _ أو هكذا جعله الإخوان المسلمون _ أنه معسكرا للتربية ، ومكانا لإثبات صفة اليقين والثبات علي المحن والشدائد وكسر الإلف وتحجيم الرغبات والشهوات الدنيوية ، ولن أجد أفضل من وصف شيخ الإسلام بن تيمية عن السجن قائلا" وسجني خلوة " ونعم الخلوة بالله عز وجل


لنا _ عبر هذه المدونة _ لقاءات طويلة وتجارب وخبرات أنقلها لكم من هناك ، من معسكر التربية الإيمانية
تلك التجربة الإيمانية الرائعة
إلي أن نلتقي