السبت، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٧

خواطرجريحة


بذرة الخير وبذرة الشر
بذرة الشر تهيج، ولكن بذرة الخير تثمر، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعآ ولكن جذورها في التربة قريبة، حتى لتحجب عن شجرة
الخير النور والهواء، ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء ، مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة على حين تصبر شجرة الخير على البلاء، وتتماسك للعاصفة، وتظل في نموها الهاديء البطيء، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة لقد جربت ذلك ، جربته مع الكثيرين، حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور
شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية- غير المتصنعة- باهتماماتهم وهمومهم ، ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص ، إن الشر ليس عميقآ في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا، إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء ، فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية ، هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، و على أخطائهم او على حماقاتهم كذلك ، وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون ، لقد جربت ذلك، جربته بنفسي ، فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام
بذرة الحب
عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفى أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثنى عليها حين نثنى ونحن صادقون، ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة، ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب
كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تلتئم في نفوسنا نموا كافيا، ونتخوف منهم لان عنصر الثقة في الخير ينقصنا
أين السعادة
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير
حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحأ، أو أطيب منهم قلبأ، أو أرحب منهم نفسأ، أو أذكى منهم عقلأ، لا نكون قد صنعنا شيئآ كبيرا، لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة
إن العظمة الحقيقية أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية، أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثنى على رذائلهم، أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقأ ، إن التوفيق بين هذه المتناضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد: هو العظمة الحقيقية




القدرة الحقيقة


عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة نحس أنه لا يعيبنا أن نطلب مساعدة الآخرين لنا، حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ولا يغض من قيمتنا أن تكون معونة الآخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه. إننا نحاول أن نصنع كل شىء بأنفسنا، ونستنكف أن نطلب عون الآخرين لنا، أو أن نضم جهدهم إلى جهودنا؟ نستشعر الغضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى القمة، إننا نصنع هذا كله حين لا تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحى ، أما حين نكون أقوياء حقأ فلن نستشعر من هذا كله شيئا ، إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التى تسنده وهو يتكفأ في المسير
عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة، سنستقبل عون الآخرين لنا بروح الشكر والفرح ، الشكر لما يقدم لنا من عون ، والفرح بأن هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن، فيشاركنا الجهد والتبعة.. إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق
إننا نحن إن " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيرا، حين لا تكوت منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا
إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للاخرين، و نحن بعد أحيأء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – و لو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض- زادا للاخرين وريا، ليكفى لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنا
" التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلامات التجارية " لبضائعهم كى لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون و أصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين
إنهم لا يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الأفكار والعقائد، وإنما هم مجرد " وسطاء " في نقلها وترجمتها، إنهم يحسون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خلقهم، ولا من صنع أيديهم. وكل فرحهم المقدس، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل
الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق و القوى المجهولة خطر، لأنه يقود إلى الخرافة ، ويحول الحياة إلى وهم كبير ، ولكن التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ليس أقل خطرا: لأنه يغلق منافذ المجهول كله، وينكر كل قوة غير منظورة لا لشىء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا! وبذلك يصغر من هذا الوجود - مساحة وطاقة، قيمة كذلك، ويحده بحدود " المعلوم " وهو
هذه اللحظة حين ! يقاس إلى عظمة الكون- ضئيل ، جدآ ضئيل
عظمة رب العباد
من الناس في هذا الزمان من يرى في الاعتراف بعظمة الله المطلقة غضا من قيمة الإنسان وإصغارا لشأنه في الوجود: كأنما الله والإنسان ندان يتنافسان على العظمة والقوة في هذا الوجود
أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورأ بعظمة الله المطلقة زدنا نحن أنفسنا عظمة لأننا من صنع إله عظيم
إنهم يظنون أن الإنسان إنما لجأ إلى الله إبان ضعفه وعجزه، فأما الآن فهو من القوة بحيث لا يحتاج إلى إله! كأنما الضعف يفتح البصيرة والقدرة تطمسها
إن الإنسان لجدير بأن يزداد إحساسآ بعظمة الله المطلقة كلما نمت قوته لأنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الإدراك
إن المؤمنين بعظمة الله المطلقة لا يجدون في أنفسهم ضعة ولا ضعفا، بل على العكس يجدون في نفوسهم العزة والمنعة باستنادهم إلى القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود ، إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الأرض وبين هؤلاء الناس، فهى لا تصطدم بعظمة الله المطلقة في هذا الوجود، إن لهم رصيدأ من العظمة والعزة في إيمانهم العميق لا يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم كـ " البالون " حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود


هناك تعليقان (٢):

سارة بندارى يقول...

هذه زيارتى الأولى للمدونة

بس السمت العام ليها رائع ما شاء الله

جزيتم الجنة

جعلها الله فى ميزان حسناتكم

للأمام دائما بكل صراحة

أحمد السيد عبد الحميد يقول...

السلام عليكم بوركت حسن حبيبى جعلها الله فى موازين الحسنات ورفع بها الدرجات اللهم آمين ودائما من حسن لأحسن ان شاء الله

أخوك ...أحمد السيد عبد الحميد