خواطر
في حديث جميل مع النفس حول الفتاة الجامعية الملتزمة ودرها المحوري في عملية الإصلاح
والتغيير التي ينشدها هذا المجتمع في ظل بحثه عن مخرج حقيقي من عنق الزجاجة الذي
يقبع فيه منذ سنين ، آملا الانطلاق نحو حياة أكثر حرية ورحبة وسعة توقف بي التفكير عند دور الجامعة
في إعداد الفتاة فكريا وثقافيا وحياتيا ، وإذا بي أطالع _ قدرا_ خبرا مثيرا تم تغطيته إعلاميا بصورة
مبهرة عن أن هناك أسبوع للفتيات الجامعيات ويقام في جامعتي بالزقازيق علي غرار
أسبوع شباب الجامعات
السنوي والذي أقيم العام الماضي في جامعة المنوفية وكنت أحد المشاركين فيه بأحد أهم الأعمال
الصحفية ... وسبب سروري وسعادتي انه ولأول مرة سيتم فصل الطلاب عن زميلاتهم الطالبات
في فترة حياتية قصيرة تمتد لأسبوع كان يحدث فيه الكثير من المهازل والتي منعتني من الحضور الأسبوع السابق للشباب.
ولكن وآسفاه لم تستمر فرحتي وسعادتي طويلا _ ولكن لم أصب بخيبة الأمل بعد _ فلم يمض اليوم
الأول من الأسبوع إلا بكوارث حقيقية اضطررت أن اتابعها بنفسي وبزيارات ميدانية خاصة ، فكان
واضحا للجميع أن هذا الأسبوع تم إقامته لتغطية هدف آخر سياسي !! غير واضح للعيان الآن ، ظهر
ذلك جليا من خلال الإعداد المأساوي والغاية في السوء للمهرجان الافتتاحي . وانتظرت أتابع
الأحداث يوميا علي صفحات شرقاوي وبعض الصحف كيف ستتناول الموضوع لعل هناك ما يخفف
من ألمي . وفي النهاية قررت أن اخرج بهذه الصورة عن هذا الأسبوع ..
نظرة الجامعة والمسئولين ووزارة التعليم العالي للفتاة الجامعية :
أكاد اجزم أن هذه النظرة تكاد تكون مطابقة للواقع وإن كنت أتمني أن تخالفه ولو لبعض
لحظات في أيام هذا الأسبوع .. فلقد أدهشني هذا الكم الهائل من الإعدادات الخاصة بحفلات
الرقص والاستعراضات الفنية والتي ازعم أنها لن تخرج عن كونها فنا غير مسئول لتمضية
غرض ما .. وكأن هذا الأسبوع تم إقامته خصيصا حتي تتعلم أخواتنا الطالبات أو يكتسبن شيئا لا غني
عنه هذه الأيام _ طبعا الرقص _ .. ويؤكد صدق كلامي تلك الصور وملفات الفيديو التي استطاع
مراسلو موقع شرقاوي التقاطها والتي توضح مدي سذاجة الهدف الذي أقيم من أجله هذا الأسبوع ولعلي
أدعم هذا المقال ببعض الصور.
ويمضي الحديث عن الدور التربوي والسياسي الذي قدمه الدكتور علي الدين هلال أمين
الإعلام في الحزب الوطني في محاضرة اقل ما توصف به هو أنها لم تجد إقبالا حيث بلغ عدد الحاضرين
حوالي 300 طالبة و 200 طالب علي أقصي تقدير_ ولم أجد مبرر يقنع نفسي الظالمة بصدق الإدارة
المسئولة عن حديثها حول أن هذا الأسبوع للفتيات فقط _ وهنا لي سؤال ..ما سبب حضور هؤلاء
الطلاب ؟ وكيف سمح لهم بالحضور ؟ وأين كانت باقي الوفود المشاركة والتي بلغ عدد الطالبات
فيها علي حد إحصائيات الجامعة وتقريرها حوالي 3000 طالبة ..؟
استطراد .. في الوقت الذي كان الدكتور علي الدين هلال يؤصل للدور النسائي في المجتمع وأهمية دور المرأة ..كذلك الدور السياسي المنوط بها وانه ليس هناك وظيفة لا يمكن أن تشغلها المرأة .. كانت معظم الطالبات يسعدن بوقتهن في حدائق الجامعة حيث التدريب علي الحفلات الليلية .
وبالطبع لم ينسي الدكتور هلال أن يلمح إلي أن هناك فئات مأجورة تعمل بأوامر وتعليمات من خارج الجامعة لإثارة زملاءهم الطلاب وانه علي كل الطلاب أن يحذروا هذه الفئة ويوجه حديث للطلاب قائلا .
" لا تكن إلا نفسك وقول رأيك بصراحة ولن يمنعك أحد " .. ويتناسي الدكتور هلال
_ ازعم أن هذا التناسي عمدا _ تزوير الاتحادات وفصل واعتقال الطلاب الذين يعبرون عن رأيهم
بصراحة .. وكأنه يؤصل لفكرة " من حقك أن تتكلم بصراحة ولا يسألك أحد .. ومن حقي أن أعتقلك
ولا يحاسبني أحد " .
إذا فما التربية التي يمكن أن نصل بالفتاة الجامعية من أسبوع لن نجد فيه من بدايته إلي نهايته
_ أقول _ إلا دعما للسفور والاختلاط ، أنا لست ضد هذا الأسبوع ولكن ضد إدارته بهذه الطريق التي تخدش الحياء وتبذر أموال الأمة بطريقة سفهية غير مسئولة وضد أهدافه الغير معلنة والتي أزعم أنها كثيرة لمن أراد أن يبحث في حقيقة الموضوع .. ويمكن صياغتها في أسئلة تحتاج لإجابة ..
لماذا يقام هذا الأسبوع في جامعة الزقازيق بالتحديد ؟
لماذا لم يحاضر في الأسبوع أساتذة متخصصون في المجال النسائي وعلم الاجتماع ؟
ما هي دوافع حضور د . علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني في مثل هذه الفعالية ؟
هل هذا الأسبوع للاستعراضات الفنية والتمثيل مع جزء ثقافي وعلمي بسيط ؟
من الذي يتحمل تكاليف هذا الأسبوع .. ؟
هل ستقدم رئاسة الجامعة للطلاب مبررات إقامة هذا الأسبوع أم سيتم قتل الموضوع في أدراج المكاتب ؟
نظرتنا في رسالة..!!
كيف نحتاج إلي المرأة .. أو كيف ننظر إليها ..؟
نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في كل فرع من فروع المعارف الإنسانية
رجالا ونساء، أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة !.. ويهبون حياتهم
للفرع الذي تخصصوا فيه، لا بشعور التضحية فحسب، بل بشعور اللذة كذلك!.. شعور العابد
الذي يهب روحه لله وهو سعيد بذلك !... ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا هم
الذين يوجهون الحياة، أو يختارون للبشرية الطريق!... إن الرواد كانوا دائما، وسيكونون هم
أصحاب الطاقات الروحية الفائقة، هؤلاء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة التي تنصهر في
حرارتها كل ذرات المعارف، وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة، مزودة بكل هذه الجزئيات،
قوية بهذا الزاد، وهي تغذ السير نحو الهدف السامي البعيد!. هؤلاء الرواد هم الذين يدركون
ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة، المتعددة المظاهر في: العلم، والفن، والعقيدة، والعمل، فلا يحقرون
واحدا منها ولا يرفعونه فوق مستواه !. الصغار وحدهم، هم الذين يعتقدون أن
هناك تعارضا بين هذه القوى المتنوعة المظاهر، فيحاربون العلم باسم الدين،
أو الدين باسم العلم... ويحتقرون الفن باسم العمل، أو الحيوية
الدافعة باسم العقيدة المتصوفة !.. ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى، منعزلة عن مجموعة
من القوى الأخرى الصادرة كلها من النبع الواحد من تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود
!.. ولكن الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة، لأنهم متصلون بذلك النبع الأصيل، ومنه يستمدون!
...إنهم قليلون.. قليلون في تاريخ البشرية.. بل نادرون! ولكن منهم الكفاية..: فالقوة المشرفة
على هذا الكون، هي التى تصوغهم، وتبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب!.
لست ممن يؤمنون بحكاية المباديء المجردة عن الأشخاص لأنه ليس هناك مبدأ بغير عقيدة حارة دافعة؟
وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان؟. إن المباديء والأفكار في ذاتها- بلا عقيدة
دافعة- مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر معان ميتة! والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان
المشعة من قلب إنسان! وهنا أزعم أنه لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا
في قلب مشع.
ولن يحدث ذلك إلا بعد يؤمن الإخوة والأخوات أولا بفكرتهم، يؤمنوا بها إلى حد الاعتقاد اليقيني !.. عندئذ
فقط يؤمن بها الآخرون ! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة !... فلا حياة لفكرة
لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة بشر!.. كذلك لا وجود
لشخص - في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص... إن التفريق بين
الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ، عملية - في بعض الأحيان-
مستحيلة، وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء!. كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان!
أما الأفكار التى لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع
بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام !.
من الصعب على أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟
إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل: فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة
خسيسة؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة؟! حين نسير في طريق يمتلئ بالقاذورات
لابد أن نصل إلى نهايته ملوثين.. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع
هذه الأقدام، كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة: إن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك
آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التى وصلنا إليها!. إن الوسيلة في حساب الروح جزء
من الغاية، ففى عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا
أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة.. بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته!
" الغاية تبرر الوسيلة!؟ ": تلك هى حكمة الغرب الكبرى!! لأن الغرب يحيا بذهنه،
وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات
والفوارق بين الوسائل والغايات!.
وغني عن البيان تأكيد أن المرأة مدرسة.. إن أُعدت لمهمتها، وإن أهملت
إلى تيارات الفساد أصبحت معول هدم للأمة وباب فتنةٍ كبرى ومصيبة عظمى .
وحاجة الأمة إلى جهود نسائها، وتكاتفهن مع الرجال لتكوين الأمة المسلمة القوية، أمر مقرر بين العلماء والعقلاء والحكماء، فللنساء دور في بناء المجتمع والأسرة لابد من تفعيله، فليس دور المرأة مقتصراً على
نظافة البيت والطبخ، بل هناك دور أهم من ذلك وأعظم وهو تربية النشء ونشر الخير والمشاركة في بناء الأسرة المسلمة المتكاملة، والمساهمة في نهضة المجتمع وتطويره.
ولكي تؤدي المرأة هذا الدور لابد أولاً أن يتم إعدادها لتصبح رسالية وصاحبة
دور رسالي. ولكي يتحقق ذلك لابد أن تكون المرأة طالبة للعلم حريصة عليه،
لأنها تعلم أنه حياة القلوب، ورياض العقول، كما ينبغي أن تكون ذات لسان
سؤول لا يمنعها حياؤها عن تعلم شيء تجهله، فقد أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار،
أنهن لم يمنعهن
الحياء أن يتفقهن في الدين. وكتب التراجم والتأريخ قد حفظت لنا أخبار كثير
من النساءصاحبات رسالة في مجال العلم.
إن دور المرأة الرسالية في واقع الأمة الراهن خطير، وإذا تأملنا حياة المرأة
اليوم نجد أنها في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة صياغة شخصيتها
عملياً وفكرياً وتوجيهياً وفق تربية إيمانية متكاملة، بما يلائم كينونة وجودها وطبيعة مهمتها
الإنسانية في الأرض، وذلك من أجل تجاوز واقعها المليء بالإحباطات والتناقضات والإغراءات المادية والمعنوية التي تغرقها أكثر في مستنقعات التبعية والتقليد والخرافة والاستلاب والتغريب.
إعادة بناء شخصية المرأة وفق التصور الإسلامي والمنهج الرباني لن تؤتي أكلها إلا من
خلال التركيز على أسس ثلاثة: أولاً تحرير واسترداد إنسانية المرأة، ثانيًا ترسيخ فعل الإيمان في النفس، وثالثًا استشعار المسؤولية الكاملة تجاه الذات والمجتمع والأمة والإنسانية جمعاء.
ومن نافلة القول التأكيد على أن المرأة المسلمة مطالبة بالجهاد والنضال والمشاركة
في معارك الأمة بشرط أن يكون ذلك في إطار الضوابط الشرعية، ولكنني أضيف هنا أن تلك
الضوابط الشرعية ليست مطلوبة في حالة المرأة فقط، ولكنها مطلوبة في حالة المرأة
والرجل وفي كل موضوع وفي كل قضية.
إن عملية النهوض الإسلامي التي يريد المخلصون منا القيام بها تتعرض لكثير من
التشويش والتزييف في محاولة لوأدها، وكلما كثرت أراجيف هؤلاء المشككين وشبهاتهم في قضية ما أدركنا أهميتها وخطورتها، لأنه لولا تلك الأهمية والخطورة لما اهتموا بها.
جزاكم الله خيرا... وغفر الله لي